اذا كانت الشخصية كما يعرفها علماء النفس بانها وحدة متكاملة من الصفات التي تميز الفرد عن غيره، وهي بنفس الوقت تتكون من مجموعة من وحدات صغيرة متفاعلة ومتحدة بحيث تتآلف وتكوّن تكامل الشخصية فأنها تأخذ في هذه السطور مسارات اخرى اكثر وضوحاً وتلمساً في الحياة اليومية الواقعية رغم ان البعض من علماء نفس الشخصية عرفوا الشخصية بانها المظهر الاجتماعي وليست هي الخلق Character مثل الامانة والشرف والخير فحسب فالخلق جانب من الشخصية كما انها ليست المزاج مثل الثبات الانفعالي ،المرح،الخجل،الاندفاعية او هي الصفات الاخرى مثل التآلف"الألفة"،التواصل..الخ
هي اذن جماع جوانب الذات كما يراه الاخرون وهي تتضمن فضلا عن ذلك المعنى الشائع والاوسع وهو التوافق الاجتماعي والقدرة على التأثير في الاخرين تأثيراً مرغوباً فيه بغير مجهود،فأحيانا يصف شخص ما بانه يعاني من الاحساس بالنقص في الشخصية وآخر يتميز بقوة الشخصية وآخر يصفه الجميع بأنه قمة الكرم وآخر بخيل،نجد في احيان اخرى ان فلاناً من الناس لديه اندفاعية عالية ايجابية نحو مساعدة الاخرين ويتصف بالتفاني والصدق فيما يوكل اليه من امر وآخر لا ابالي لا يكترث بأية سمة انسانية او مساعدة،وحديثنا الان عن احدى سمات الشخصية التي اثبتت الدراسات النفسية الميدانية وجودها وتحققها في الواقع وهي الشخصية السلبية Passive Person .
ان اهم ما يميز هذه الشخصية هو موقف الحذر والابتعاد عن المشاركة فيما يهم الناس في افراحهم او المشاركة في احزانهم حتى ولو كان بالتعبير السطحي واظهار مظهر من مظاهر المشاركة الوجدانية كما يفعل عامة الناس اثناء حدوث المصائب والشدائد التي تبتلى بها عائلة بفقدان معيلها او احد ابنائها او قريب حميم لها،او فاجعة تصيب احد افرادها بمرض عضال او حادث سير مفجع وتوجب المعايير الاجتماعية العربية المشاركة في التخفيف المعنوي عن كاهل هذه العائلة المنكوبة بزيارتها.صاحب هذه الشخصية لا يقيم علاقات اجتماعية مع الناس ،ربما طابع العزلة والانفراد هي السمة الغالبة لديه ويقول(د.علي كمال)في ذلك قد تكون السلبية مظهر من مظاهر عدم الرغبة في تحمل المسؤولية وقد تكون تعبيراً عن الترفع والاعتداد بالنفس مما يدفعه الى السلبية الا اذا جاءت الامور طبقاً لرغباته ،ونقول ربما يعود ذلك السلوك السلبي في التعامل وغلبة صفة الابتعاد وعدم المشاركة ناجمة عن شعوره بالنقص من الاخرين وما يولده ذلك من شعور العنف والقسوة تجاه ذاته ومعاقبتها لانه لايستطيع مجاراة الاخرين ممن يقدمون لبعضهم البعض اجمل الابتسامات والتمنيات بالخير عندما يلتقون ويكنون لهم اعظم الامنيات بالتوفيق ،فصاحبنا يحمل بسبب عقدة النقص التي تلازمه ،عقدة الحقد على كل ما هو مفرح وناجح فينعكس هذا السلوك السلبي من قسمات وجهه وايماءاته التي يقرأها الناس فيتخذ حينئذ العزلة والابتعاد والسلبية تجاه الاخرين.
نرى ان الحياة في مجملها وعاء يحوي عبر مراحلها التي نمر بها خلال سني اعمارنا الكثير من الافراح والمسرات والاحزان والكوارث والازمات والمصاعب والضغوط بانواعها ولكن رأينا ان الود تجاه الآخرين من البشر ليس في الوطن الام فحسب بل في البلدان الاخرى التي يزورها اي منا عبر مسيرة رحلته في الحياة هو اكثر مظاهر الحياة بعثاً على السعادة والسرور واللذة الانسانية التي نحققها لذواتنا التي ربما تحتاج الى العون المعنوي –النفسي اكثر من العون المادي واثبتت الثقافات المختلفة في العالم المتحضر والعالم غير المتحضر ان التواصل مع البشر يخفف من وطأة الذات-اعني ما يدور فيها من افكار وهواجس سلبية تنبع من الداخل-او وطأة الحياة الخارجية المتمثلة في الطموحات الواسعة والآمال التي يقاتل من اجلها الانسان لغرض تحقيقها وهذا يتطلب التواصل مع الآخر لا نقيضه في السلبية والجفاء المتمثلة في هذا النمط من الشخصية –الشخصية السلبية-واثبتت الدراسات النفسية بانه لا يمكن لاثنين من الافراد ان يوفي كل منهما حاجات الآخر وفاءاً كاملاً الا من خلال التآلف والود والمحبة، لذا فأن نمط الشخصية السلبية لا يقيم حتى علاقة متوازنة مع شريكه الآخر وهو الزوج –الزوجة.وكثيراً ما نسمع ان الازواج لهم شكوى في حياتهم الخاصة مع الشريك لانه سلبي ،لا يحب الآخرين ،لا يود التواصل معهم،شكاك في نواياهم،لايرغب في اقامة علاقة متوازنة مع اهل الزوجة،او مع اهل الزوج،تأخذه الريبة والتأويلات البعيدة السلبية تجاه كل من يريد التواصل معهم،فيكون منبوذاً،مبتعداً عن الاخرين،وعندما نسأله عن هذا التصرف يقول:ان فلسفته في الحياة تقوم على احترام ذاته وراحة البال،دون ان يعي بأن الايام ستكشف زيف اراءه وما يراه من افكار سلبية تجاه الاخرين.
ان علماء النفس اثبتوا عملياً ايضاً ان الافراد الذين يقدرون العلاقات الاجتماعية بدرجة عالية ويتميزون بسمات التواصل والالفة والود واقامة علاقات انسانية مع الاخرين يميلون الى مساعدة الاخرين اكثر من اولئك الذين يركزون على سمات اخرى مثل السلبية،الابتعاد عن الاخرين،الانعزال،الانكفاء على الذات،الشك بالاخرين ونواياهم،فهم لايقدمون للناس المساعدة عند الحاجة وهم من ابعد الناس عن فعل الخير ولديهم آلفه عالية مع العنف بل يستريحون اليه ويتعاملون به مع انفسهم اولاً ثم مع الاخرين المقربين من الاهل اوالاصدقاء او الجيران او الاقرباء ثانياً .. وهم يمارسون سلوك العنف هذا ولا يستطيعون التعبيرعنه مباشرة بالتصدي فيلجأون للسلبية وعدم التعاون كتعبير غير مباشر عن سلوكهم.